خرجت تائهاً في الفيافي

والقفار

أحترق بنيران الشمس

المتوهجة

وأصعد إلى أعالي الجبال الشامخة

وأبحر في أمواج البحر الهائجة

فعلت ذلك مثلما فعله

فلاسفة اليونان الأوائل

قبل سقراط

عندما هاموا في فضاء الطبيعة

يبحثون عن أصل الوجود

من داخل العدم الموجود

في كل أرجاء الوجود

وعي شقيّ ولد يواجه المجهول

فصحت متسائلاً

من أنا، من أكون

ماهي كينونتي في الوجود؟!!!

في زمان الوجود

وفي مكان الوجود

سؤال وسؤال طرحه كل إنسان

منذ فجر التاريخ البشري

لكن الأسطورة والمعتقدات

أضلّت كل البشر

بوهم أصل الوجود...

********************

لا أقول هنا كما قال نيتشه

هكذا تكلم زرادشت

ولن أقول هنا ما قاله هيجل

في الوجود

ولن أقول هنا ما قاله هايدغر

في الوجود والزمان

ولن أقول هنا ما قاله سارتر

في الوجود والعدم...

أقول هنا شعراً

ينبع من آنيتي وكينونتي

لحظة بلحظة وجدت نفسي

وجدت نفسي

غارقاً في البحث

عن عدمي ووجودي

أنظم شعراً أنطولوجيّاً

ينبع من كينونتي...

وجدت نفسي أهيم بعقلي

وأسير في صحاري كينونتي

أقطف منها ورود انتعاشي

لكن لا يصيبني منها إلا الأشواك

تؤلمني في العدم

الكل يتحدث على أنني

كنت لا شيء في العدم

أتذكر ذات يوم

عندما كنت طفلاً

تحكي أمي عن عدمي

قبل وجودي

تحكي عن فضاء عدمي

قبل ولادتي

حينها صرخت لحظة وجودي

حين قذفتني أمي

من العدم إلى عبث الوجود

بأنين العبث ألتوي

وبمتاهات الوجود أتحسّر

كنت أعيش في أحلام العدم

وأتخيّل عوالم كائنات...

كنت أحنّ إلى حضن أمي

هروباً من العدم

تحكي لي حكايات عن العدم

عن مغامرات السندباد

التي ظهرت من العدم

وعن كنوز العفاريت والجان

التي خرجت من العدم

أُلحّ عليها أن تحكي

عن سيف ذي يزن

الذي ولد من العدم

وعن حروب عنترة بن شداد

التي نشأت من العدم

وأتوسّلها أن تسرد لي

قصص ألف ليلة وليلة

عن عدم الوجود

في أحداث الوجود

في سكون الليل الخادع

يتراءى لي

عدم مظلم غارق في السواد

يحكي لحظة عدم مطلق

قبل خلق الكون الواسع

وفي نور القمر الوهّاج

يعكس أشعّة عدم

موجود في الوجود

فكانت حكايات

عن العدم والوجود

تذكرني ببراءة الأطفال

وحنان الأم الملآن...

إلا أن كينونتي ضاعت

في سراديب العدم

الغير معدوم

وفي وجود معدوم

لا أعي هويتي في ظلّ وجودي

أفتقد لعلامة تدلّني

على العدم

ومنه إلى لحظة الوجود

العدم يسبق الوجود ...

في المكان والزمان

وفي الفكر والوجدان

وفي السلوكيات والأفعال

في العدم ماهية الوجود

تنساب الأسئلة في وجداني

بانفعال شديد

من أكون ومن سأكون

في المستقبل؟!!

في مستقبل مغمور

بطلاسم الوجود

أسال وأسأل لكن في متاهات

الوجود

دون جدوى وجدوى...

********************

تواجه الآنية الغموض

في العدم

وتغرقها في التأمل

والتفكير في دهاليز الكينونة

كيف أدرك وجودي

من خلال عدمي؟!!

وأوقّع على بطاقة وجودي

من خلال عدمي

تبادرت أسئلة أخرى إلى ذهني

في لحظة شرود محيّر

بين اليقين والشك

هل الوجود منفصل عن العدم؟

هل هناك اللاوجود المطلق

يشكل فراغاً في الميتافيزيقا؟

وهل هناك وجود بدون عدم

يشكل مادة خاماً من الهيولى؟

لم توجد بَعدُ في تشكّلاتها

وتمظهرها

واكتشفت في سيرورة التأمل

أن الوجود في الكوسموس

هو في الشكل واللغوس

اللا عبثي

أن الوجود حاضر في الآنية

عندما تحضر صفات الكينونة

أمّا العدم

فهو حاضر في الآنيّة

عندما تغيب صفات الكينونة...

********************

إن عدم الوجود هو أيضاً وجود

لكنّه وجود ضبابي

يضيء كبوصلة داخل الآنيّة

لكنه يغطّي صفات الكينونة

التائهة...

إن الوجود هو كل صفات الكينونة

والعدم غياب لصفة من صفات

الكينونة

العدم هو غياب وغياب تعاقبي

غياب لصفات الكينونة

غياب الوعي وتبلّده

غياب الإحساس وجموده

غياب الحرية في اتخاذ القرار

وغياب الإرادة في التنفيذ

عند الاضطرار

الشعور بالغياب

يقود إلى الشعور بالعدم...

العدم هو فراغ في فراغ

فراغ في الروح

فراغ في المشاعر

فراغ في الفكر

ما دمت أعيش في فراغ

يعني أعيش في عدم...

العدم هو سيرورة

يكتشفها الإحساس والوعي

بغياب الصفات والخاصيّات

فتجلي وجود الآنيّة في الكينونة

يكشف عن تجمّع صفات الكينونة

في الآنيّة

والشعور بالعدم في الآنيّة

هو تشتت صفات الكينونة

تتأرجح كينونة الآنية

بين العدم والوجود

من خلال التشتت والتجمّع

وهي بذلك بين العدم والوجود

تقود الآنية إلى متاهات الكينونة

فتفقد الآنيّة طعم وجودها

وتهجر الأبعاد والصفات

في الوجود

فيكتسح العدم وجود الآنيّة

ويُقصيها في كل غياب الصفة

ويحضر العدم متوجّها ومكتسحاً

وفي تكتّل الأبعاد والصفات

يحضر الوجود بقوة

ويلغي العدم

تعشق صفات الكينونة...

العدم والوجود عند المغامرة

وعند مواجهة الآخر

تغرق في الغياب والحضور

إنها متاهات الآنيّة

في العدم والوجود...

********************

في بعض لحظات وجود آنيتي

أشعر وأشعر

بوجود معدوم وبعدم موجود

بعدم لا متناهي

وبوجود لا متناهي يتناوبان

في إقصاء بعضهما البعض...

في سيرورة الزمن

تظهر آنيتي في الوجود

من العدم

ومن العدم تحضر كينونتي...

إنّ سلب صفة الآنية هو عدم لها

وسلب كل صفات الكينونة

هو العدم المطلق للآنيّة

لكن العدم وأي عدم

يحمل في جوهره وجود الآنيّة

وفي الوجود الكلّي

تتشابك الكينونة

مع كل عوالم الوجود...

********************

إنّ العدم في الكينونة

يضلل الآنيّة في توجّهاتها

فهي تعلو على العالم

في عيّناته

لتصبح فيما وراء الوجود

وتتخلّى عن أبعاد عيّنات الواقع...

السلب في صفات الكينونة

يبحر في العدم فيما وراء الكون

فتنهض الآنيّة من سباتها 

ولا وعيها

لتتماهى مع كينونتها

وتسعى لتجمع الصفات

لتلغي العدم...

في سيرورة الزمان والمكان

هنا يتداخل العدم والوجود

في الميتافيزيقا الروحية....

********************

في اللوحات المضللة للوجود

يظهر العدم

يتماهى مع السلب

صراع الوجود يهيىء للسلب

فيكون العدم

وفي الوجود يتنحّى السلب...

تقوم الكينونة تتحدث عن نفسها

بسعيها وسلوكيّاتها

تقف الآنية وراء الوجود

تراقب العدم المعطى في الوجود

العدم في ذاته ليس خارج الوجود

والعدم من أجل ذاته

ملتصق بالوجود...

العدم لا يعني الإعدام

أي لا وجود مطلق

خالٍ من تعبير

وإنما العدم هو تفكك الصفات

في سلسلة من الحلقات

كل صفة تنفصل عن الأخرى

في تعاقب تعويضيّ

يحدث انفصالاً مؤقتاً متأزّماً

تدرك الآنيّة بما هي

تحمل العدم في وجودها

في لحظة انعدام صفات الكينونة...

العدم ليس نقطة فراغ

مطلقة في الوجود

العدم في الآنية

هو لحظات انفصال

صفات الكينونة عن بعضها البعض

فإن كنت أعيش لحظة سعادتي

فهي تكون منفصلة

عن لحظة تعاستي

ومن تلك اللحظات

تكون كينونة آنيّتي

منعدمة في الوجود...

********************

بقي عقلي تائهاً في متاهات آنيتي

يبحث عن الوجود

من خلال العدم في الماضي السحيق

فوجدت الأسطورة

تسرد حكاية عن كينونتي

من العدم إلى الوجود

جسّدَتها أسطورة سيزيف

وأحداث ملاحم الأوديسا

والإلياذة...

ظهرت لي ثلاث عناصر

في الوجود

الآلهة والطبيعة والإنسان

كلّ منها يعشق السطوة والسيادة

وإقصاء للآخر من سيرورة الوجود

ما السبيل للخروج من العدم

إلى الوجود؟!!

إلا بقانون الغاب

في الحرب والقتال

********************

وبقيت أبحث وأبحث

في ظلام الوجود

عن بريق كينونتي

بحثت عن كينونتي في الفلسفة

فوجدتها نشأت مع سقراط

وأفلاطون وأرسطو

وتجسّدت مع فلاسفة الإسلام

ووصلت إلى قمّة الوعي

الأنطولوجي مع فلاسفة الغرب

مع ديكارت، لابنتز وكانط

لكن في فلسفة هيجل

وجدت العدم والوجود يتغنّيان

في كينونتي بالصراع

وتناوب السطوة على العدم

والوجود

في جدليّة السيّد والعبد

بسمفونيّة هذه الكينونة

ظهرت كينونتان معدومتان

لا زالت الآنيّة لا تنتمي لأي منهما

كينونة معدومة عاشقة للحرية

تريد أن تنبت في الوجود

كنبتة في صحراء قاحلة

تضحّي بالحياة وتستمر في القتال

من أجل الحرية والسيادة...

وكينونة معدومة عاشقة للحياة

ترجع القهقرى

وتتقاعس عن القتال

تريد أن تفرض وجودها

من وراء ستار عبوديّة الحياة...

يتحوّل عشق الحرية

إلى وجود وسيادة

ويتحول عشق الحياة

إلى عدم وعبوديّة...

بهذا القانون الأنطولوجي

تظهر كينونتان متناقضتان

كينونة معدومة هي العبد

وكينونة موجودة هي السيد

ويستمر الوجود

بهاذين المتناقضين

كينونة السيد المنتصر

وكينونة العبد المنهزم

سيّد لا يرغب في الحياة

يستمرّ في المعركة وينتصر

وعبد يتشبّث بالحياة فينهزم...

********************

لكن بقي الوجود

في سيرورة الزمن

وتعاقب وتأزّم الأحداث

يوقظ العدم من سباته العميق

إنها الكينونة البشرية

التي توقظ

الآنيّة من عبوديتها الصماء

وتذكرها بكينونتها الغارقة

في النسيان...

إنها الوعي والحرية والإرادة

التي غطّاها الاستعباد باستمرار

وهكذا تندفع الآنيّة المعدومة

إلى التحرر المستميت من الاستعباد

في ظلّ هذا الاستعباد المتواصل

تختفي الكينونة الإنسانية للعبد

دون أن تختفي آنيّته

لكنها لا تنعدم من صفاتها

البشرية

يبقى العقل يفكّر

وتبقى الإرادة قائمة

وتناضل الحرية من أجل التجسّد

يعي العبد أنه يفكر

وتفكيره يدرك أنه موجود

ومادام هو موجود يحسّ بإرادته

ويكتشف العبد في وجوده

قوة كينونته في حاجة السيّد له

ويكمن جبروت كينونته

في امتلاكه لمهارات الشغل

التي لا يمتلكها السيّد

لأنّه لا يشتغل...

بهذا الوعي الشقيّ

يثور العبد على السيّد

فيحيي العبد كينونته الإنسانية

فيتخلّص من الاسم المدان

ويتحول بدوره

عبر سيرورة التاريخ

سيّد نفسه وسيّد إرادته

وحريته...

********************

خرجت أبحث عن كينونتي

في الوجود

بحثت عنها عند السياسي

فوجدتها مجرّد صفة

ملتصقة بالآنيّة في لحظة العدم

وبحثت عنها عند الكاهن

فوجدتها مجرد طلاسم

تخبر عن العدم والمعدوم

وبقيت أبحث وأبحث

ولم أجدها في العدم أو الوجود...

وجدتها فقط في ذاتي

وجدتها في عقلي

ووجدتها في إرادتي الحرّة

وجدت كينونتي أيها الناس

في حريّتي

يحكيها اللغوس

بنعمة العقل والمنطق

لم يكن طاليس ولا أناكسيمس

ولا أناكسيمندر ولا هرقليطس

يعبثون عندما تجاوزوا

الأسطورة

واحتكموا إلى منطق العقل

فاكتشفوا كينونتهم بالتأمّل

في النظام القائم في الكوسموس

واكتشفوا أنّه في عبثيّة الوجود

تبقى كينونتي قائمة...

********************

في وجودي اكتشفت سرّ بقائي

في الإدراك والتأمل

كشفت عن قوانين وجودي

بها أدركت كُنْه إنسانيتي

وكينونتها المقدّسة السرمدية

في العقل والإرادة والحرية...

كل من استعبد الآنيّة

لن يستطيع أن يستعبد الكينونة

فكان العقل يفكّر باستمرار

وكانت الإرادة تتخذ القرار

ولو في غياب القرار

المؤقّت للحرية...

وهكذا تندفع الآنيّة من العدم

إلى التحرر المستميت

من أجل الوجود

فكان العقل يفكّر باستمرار

لا ينام ولا يتوقّف

وكانت الإرادة تتخذ القرار

لاتكلّ ولا تتعب...

في كينونتي عشق للحرية

وفي حريّتي عشق للتأمّل

والتفكير...

تم عمل هذا الموقع بواسطة